أخبار وطنية المنصف بن مراد يحلل علاقة المال والإرهاب ببعض الإعلاميين
بعد العملية الارهابيّة التي كانت مدينة سوسة مسرحا لها، وبعد اتهام الأحزاب الدّينية والمتطرّفة بتدمير البلاد، لابدّ أن نتساءل أيضا عن دور بعض الإعلاميين ووسائل الإعلام في انتشار الارهاب..
في البداية لابدّ من التذكير بأنّ الإعلام التونسي وانطلاقا من 2011 كان حامي تونس من تهديدات المتشدّدين والأحزاب الدينية ومن مواقف الترويكا وعدد هام من أعضاء المجلس التأسيسي الذين خطّطوا لفرض الفاشية في خدمة «الدين الأحمر»..
فقد شاهدنا الاعتصامات أمام مقرّ التلفزة لتركيعها، والبصاق والإعتداء على زياد كريشان وحمادي الرديسي قرب المحكمة ومحاولة حرق منزل مدير قناة نسمة التي كانت أبرز متنفّس للديمقراطيين، ثمّ استمعنا للنائب حبيب اللوز في القصبة وهو يدعو الى تعنيف الإعلاميين وعلمنا بالتهديدات بالقتل ضدّ إعلاميين، كما وصف مسؤولو الترويكا الحاكمة الإعلام بـ«العار» لأنه كان السدّ المنيع أمام المشروع الظلامي شأنه في ذلك شأن اتحاد الشغل في ظل عدم وجود أي حزب مدني ذي شعبيّة..
في ذلك الوقت كان الإعلام والمنظّمة الشغيلة منقذي تونس.. ولولا شجاعة نقابة الصحافيين وشجاعة بعض الإعلاميين على غرار سفيان بن فرحات وزياد كريشان وزياد الهاني وعمر صحابو ومعز بن غربية وبوبكر عكاشة ولطفي العماري ونجيبة الحمروني ودليلة مصدّق ومحمد بوغلاّب وجمال العرفاوي ومية القصوري وإلياس الغربي وناجي البغوري وايمان مداحي وياسين حسن وفوزي جراد وسعيد الخزامي ومريم بالقاضي والطاهر بن حسين ونقابة الثقافة والإعلام التابعة لاتحاد الشغل وسفيان بن حميدة وتوفيق بن بريك وحسن الهمالي لغرقت سفينة الجمهورية، مع التذكير بأنّ المئات من الإعلاميين الشبان والكهول نزلوا إلى الشوارع للدفاع عن حرية الإعلام وقيم الجمهورية.. وأن عميد الصحفيين وسّمهم وسام الصداقة والاحترام والمعزة!
ثم بمرور الزمن حاولت الترويكا بعث اعلام «بديل» كما برزت بعض الصحف المشبوهة التي موّلها فاسدون، وذلك للتهجّم على الديمقراطيين والإعلاميين الأحرار والنقابيين.. هذه الصحف لم تحترم أيّ أخلاق ولا أي قانون ونزلت بمستوى الإعلام الى الحضيض! في عهد بن علي كانت هناك أسبوعيّتان مختصّتان في الثلب وفي زمن الترويكا اصبحت 6 «صحف» وبعض الجرائد الالكترونية وبعض القنوات التلفزية وبعض الإذاعات المتشدّدة تلعب الدور نفسه، وعندما انتقدت هذه الصحف خلال لقاء مع رئيس الحكومة آنذاك حمادي الجبالي، أجاب بالقول:«وهناك أيضا صحف على الضفّة المقابلة تشتم!»..
واليوم، وأمام تفاقم الارهاب والتهديدات الخطيرة، لابدّ من طرح سؤال يتعلّق بمسؤولية بعض المنشّطين والتلفزات والإذاعات والصحف الورقيّة والالكترونيّة في الدّفاع عن العنف والارهاب!
بكل صراحة هناك قنوات تلفزية ومنشّطون دأبوا على دعوة الارهابيين وأنصارهم والمتشدّدين بدعوى حرية الإعلام، وهكذا ساهموا في ترويج الأفكار المتعصّبة والعنيفة، وهذه جريمة كبرى في حق تونس وفي حقّ الجمهورية وفي حقّ الأجيال الصّاعدة! فحتى في ظلّ عدم توفّر أدلة، فإنّه من الغريب ان تستضيف قنوات تلفزية في الأسبوع ذاته ممثّلين عن فجر ليبيا مثلا، علما انّ الوضع المادي لهاتين القناتين صعب جدا، فإذا كانت هاتان القناتان تدافعان عن حرية الرأي حتّى بالنسبة للأجانب فالأمر مثير للرّيبة..
لقد تزامن تخريب البلاد مع بث بعض القنوات لهذا النوع من البرامج! ثم هناك قنوات تلفزية دينية لا تحظى بنسبة مشاهدة هامّة ولا ندري شيئا عن مصادر تمويلها، تساهم في تغذية روح العنف والارهاب بتبريرها بصفة مباشرة أو غير مباشرة للعنف والدمار ولأعمال الارهابيين! والى يومنا هذا لم تتّخذ «الهايكا» المحترمة أو الحكومة أيّ اجراء ردعي ضد المخالفين.
كما أنّ هناك اذاعات وتلفزات دينية تدعو الى العنف والتشدّد والتزمّت والجهاد في سوريا، بينما لا تحرك السلطة ساكنا.. انّ هذه الأجهزة تتولّى غسل عقول بعض الشباب وتهيئهم لحرق أضرحة الأولياء أو للحروب الدّينية أو لمقاومة «الطاغوت»! كما ان هناك اذاعات «مدنية» تستضيف أنصار العنف وتهديهم منابر للتأثير على الشباب، بينما توجد اذاعات تدعو ليلا نهارا الى التحرّك والمطالبة الاجتماعية مساهمة في نشر الانفلاتات واستشراء الفوضى!
ورغم وجود عدد من الإعلاميين الجديرين بالاحترام، هناك منشطون يستدعون المتشدّدين ويخضعون لأحزاب ويقبضون أموالا طائلة خدمة للحكّام أو للأحزاب المتشددة أو لكبار المهرّبين حتى أصبحوا من أثرياء البلاد، وها انّهم يواصلون تغذية الارهاب بتحويل قنواتهم الى أبواق لأعداء الجمهورية والديمقراطيّة وحتى الارهاب، بينما تلتزم إداراتهم والهايكا والحكومة الصمت! انّ أيديهم ملوّثة بدماء الشهداء وجيوبهم ملأى بالدينار والدولار!
لقد كان الاجرام الإعلامي زمن بن علي اجرام هواة في حين أصبح اجرام الإعلام اليوم اجرام محترفين خطيرين! فكفّوا عن استدعاء الارهابيين والمتشدّدين والرّافضين للدستور والديمقراطية ولو واصلتم على هذا النحو فسترتدي بناتكم النقاب (البوركا) بعد سنوات!
كلمة أخيرة الى شفيق جراية: لا يعقل ان تندّد بسفيان بن حميدة وتهدّده بصفة غير مباشرة لأنّ مثل هذه التصريحات غير مقبولة.. فابتعد عن الإعلام واهتم فقط بمشاريعك، ولا تهدّد أي اعلامي تونسي ولا تأذن لبعض المختصّين في الثلب بتصفية الحسابات مع منتقديك.. كفى! إنّ الدنيا كطاحونة الهواء.. تدور... تدور.. و«ما يبقى في الواد كان حجرو»..
محمد المنصف بن مراد